ثقافة

كتابي أيضاً قد أصبح سلاحاً

قالها بصوت خافت مبتسماً , و هو يضع مسودته الاخيرة من روايته  ” كيف سيقنا الفولاذ أو الفولاذ سقيناه ” . حسب الترجمة العربية , لكنها بالاخير أدت إلى نفس الغرض , أنه ( نيكولاي أوستروفسكي ) عندما صدرت روايته , كان جسمه كله مشلولاً و يداه وحدها قادرتان على الحركة , فيما كان جسمه كله مشلولاً على أثر أصابته في الحرب الوطنية  .

وكان معلقاً في بيته , الذي منحه له ستالين في موسكو . . صورة مجسمة لحربة روسية ثلاثية الضلوع ذاكراً بيتاً من قصيدة للشاعر فلاديمير ماياكوفسكي ( أريد أن يكون قلمي مساوياً للحربة ) .

نيكولاي أوستروفسكي  . . الشاب الاوكراني , ولد ” عام ١٩٠٤ و مات ١٩٣٦ ” عاش حياة قصيرة , لكنها مفعمة بالاحداث ممتلئة بالوقائع و التاريخ و الشهود أقعده المرض في السرير وهو في العشرين من عمره , بعد الجراح و الاصابة التي تعرض لها في جبهات الحرب الاهلية , و فقد بها أعز ما يملك بصره .

أنضم و قاتل إلى و مع سرايا الجيش الاحمر ضد جيوش الامبريالية دفاعا عن ثورة العمال والفلاحين , يقول حول أستشهاده بالحياة و الوطن ( الحياة أعز شيء للانسان , أنها توهب له مرة واحدة , فيجب أن يعيشها عيشة لا يشعر معها بندم معذب على السنيين التي عاشها , و لا يلمسه العار على رذل تافه , و ليستطع أن يقول وهو يحتضر ) .

( كانت كل حياتي , كل قواي موهوبة لأروع شيء في العالم النضال في سبيل تحرير الانسانية )

يختصر نيكولاي أوستروفسكي مواقفه ونضالاته ومعاركه الوطنية بروايته ( الفولاذ سقيناه ) , التي صدرت عام ١٩٣٤ و غدت من عيون الادب السوفيتي و واحدة من أكثر الكتب رواجاً في عالم الادب و الفن و النضال , مثلت تتويجاً للاندفاع الثوري و التمسك بالدفاع عن الوطن الأم روسيا ,  و بات الجندي السوفيتي في الحرب الوطنية عام ١٩٤١ إلى ١٩٤٥ متمترساً في الدفاع عن الارض حاملاً مع السلاح و الفولاذ سقيناه , و معظم شخصيات الرواية تستند إلى نماذج واقعية , وكان بطلها الرئيسي هو نيكولاي نفسه بشخصية بافل كورتشاغين .

تعرف من خلال سرده للرواية ووقائعهاعلى الحزب الشيوعي من خلال البحار جوخراي , بنى روايته بدقه ومعرفة ونضال وبخط درامي متصاعد مع مراحل النضال , و بلغة تتغنى بالكفاح والنضال للبلشفية , هي رواية من الواقع الاشتراكي بأقوى صورة عن ثورة أكتوبر و أنجازاتها الثورية , و قد تحولت الرواية الى فيلم سينمائي و ترجمت إلى أكثر من خمسين لغة في العالم .

جسد في روايته الواقعية الاشتراكية في الادب السوفيتي , و يعتبر ثاني أديب سوفيتي بعد ميخائيل شولوخوف أعترف به العالم الغربي و نشر مؤلفاته و أعتمدها كمصدر و بحث و دراسة في عالم الرواية , و حسب رأي الباحثين و الدارسين و النقاد في الادب الروسي , أن رواية كيف سقينا الفولاذ أكثر تعقيداً من بعض مؤلفات ليون تولستوي ودستوفيسكي .

تحول و مازال بيته متحفاً للناس و المتابعين , و سمي الحي الذي كان يسكنه بأسمه أعتزازاً بثره و أرثه , و قد منح وسام لينين تقديراً لدوره في تجسيد الفكر الشيوعي من خلال مواقفه النضالية و الثورية و التي عكسها للعالم عبر أحداث روايته الفولاذ سقيناه , تجربته كمناضل و روائي , كانت ضمن المناهج الدراسية في الاتحاد السوفيتي القديم  و بعد عاصفة التغيرات التي أجتاحت التجربة الاشتراكية في مطلع التسعينات رفعوا نتاجاته عن مناهج التدريس , و عادت الآن بعض الاوساط الادبية و الفكرية برد الاعتبار له و تعويض ما ألحقه من حيف باعتباره رمزاً لروسيا .

 

بقلم الأستاذ و الكاتب

محمد حسن السعدي

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com