مقالات

مهمة من بغداد ح٢

محمد السعدي

 يشير ماتس إيكمان في كتابه حول أغتيال رئيس وزراء السويد ( أولف بالمه ) اليساري النزعة والاشتراكي الهوى بعد ثمانية أيام من العثورعلى جثة ماجد حسين عبد الكريم مقطعة ومرمية في شارع بالعاصمة السويدية .أولف بالمه الذي كان وسيطاً دولياً في مهمة أنهاء النزاع العراقي الايراني في العاصمة السويدية ( أستوكهولم )وممثلاً شخصياً لرئيس هيئة الامم المتحدة ولاعب أساسي في الملف الفلسطيني الشائك , فبعد ساعات من لقائه بالسفير العراقي محمد سعيد الصحاف المعروف لاحقاً ( أبو العلوج ) , عقب إحتلال قوات المارينيز للأرض الوطنية العراقية وموفق مهدي عبود القائم باعمال السفارة العراقية والمتهم بالتخطيط لاغتيال الضابط العراقي ماجد حسين والذي عين سفيراً للعراق في باريس بعد ٢٠٠٤ ولمدة تسعة أعوام , وعندما زار هوشيار زيباري وزير الخارجية العراقي السابق العاصمة السويدية في عام ٢٠٠٧ . طلبت منه الجهات السويدية الامنية عبر القنوات الدبلوماسية بالمساعدة بغلق هذا الملف عبر تسليمهم موفق مهدي عبود أحد المتهمين في أعمال قتل وتجسس على الاراضي السويدية , أو تشكيل لجنة مشتركة من خبراء أمنيين مختصين عراقيين وسويديين لأستجوابه في بغداد . سارع هوشيار زيباري الى تحرير خطاب الى وزارة الخارجية العراقية بنقل موفق من سفارة العراق في فرنسا الى منصب مسؤول دائرة أمريكيا الشمالية والجنوبية والبحر الكاريبي في مبنى وزارة الخارجية العراقية وما زال الى يومنا هذا, يشغل هذا المنصب , وحاولت الجهات السويدية بأستجوابه عدة مرات عن ما حدث عبر وسطاء , لكنه كان يستغرب من السؤال والاستفسار والتظاهر بعدم معرفته وبدون أي تعاون عراقي واضح حول ملف هذه القضية . تختزن ملفات السويد في أضابيرها حول شخصه وسلوكه تهمة التحرش الجنسي رغم أنه متزوج عدة مرات أحداهن ( جهينه ناصر) أخت القاص العراقي موفق خضر . تمكن بعد أحتلال العراق أن يحشر نفسه مثل عشرات غيره مع طابور جيش من الخونة والمتعاونين مع المحتل ضد بلدهم ,فذهب ضمن لجنة أعمار العراق وأعادة بنائه التي سرقت البلد ودمرته تدميراً . وحسب رواية الباحث ( ماتس إيكمان ) في كتابه الذي صدر في نهايات ٢٠١١ مهمة من بغداد , والذي أثار الآن أهتماماً واسعاً على صفحات تواصل العراقيين وأهتمامهم . يقول تمكنت المخابرات العراقية من تجنيد شرطة سويدية لصالح تحركاتها المشبوهة في أستهداف العراقيين المعارضين لسياسة النظام والهاربين من جحيمه , وكان واحد من هؤلاء يشغل مفوضاً في أجهزة الشرطة السويدية ( هانس ميلين / Hans Melin) , ويعمل في قسم حساس جداً في قضايا اللجوء في السويد , بل هو مسؤول قسم خطير جداً أستغله بتقديم تقارير الى محطة المخابرات في مبنى السفارة العراقية حول القادمين الجدد والهاربين من العراق أسمائهم وعناوينهم في العراق وفحوى أدعاء أقوالهم في التحقيق أثناء طلب اللجوء ومنافذ خروجهم وطرق وصولهم . وقام شاب عمره ٢٤ عاما ً أسمه (صلاح سليمان ) يعمل ضمن جهاز المخابرات العراقية والده كان ضابط كبير أصبح فيما بعد سفيراً للعراق في دولة ( سريلانكا ) بدعوته لزيارة العراق مع زوجته بل رافقفهم من العاصمة السويدية ( أستوكهولم ) الى العاصمة بغداد . وفي بغداد توفرت له سيارة وسائق يدعى ( سمير جعفر ) أيضاً ضمن جهاز المخابرات ورافقوهم لمدة عشرة أيام في المدن ( الموصل , كركوك , بابل , أربيل ) أضافة الى العاصمة بغداد في حسن ضيافة مبالغ بها مع هدايا ورعاية كبيرة , ورداً على تلك الزيارة قام سمير جعفر ( أبو جعفر ) بزيارة السويد وجمعته لقاءات وجلسات مع مستر هانس وعائلته , وفي ملفات التحقيق السويدية رفض مستر هانس أمام المدعي العام في أروقة المحاكم السويدية بأي لقاء بسمير جعفر في بغداد قد حصل . ووجهت المحكمة السويدية له عدة تهم تتعلق بالتجسس والتعاون مع المخابرات الامريكية  ( CIA ) والمخابرات الروسية ( KGB ) لكن محاميه طعن بجميع تلك التهم , لكن هذا لم يساعده في تبرئته من حكم القضاء فحكمت عليه المحكمة العليا أربعة سنوات سجن بتاريخ ٢٣ أيار العام ١٩٧٩قضى منها ثلاثة سنوات سجن وخرج بعد أن قدم محاميه طعن في القرار . فالمحكمة العليا نزلت الحكم عليه الى ثلاثة سنوات بتاريخ ١٨ أيلول من نفس العام , فاطلق سراحه في حزيران العام ١٩٨١ بسبب حالته الصحية التي تدهورت في السجن وتوفى عام ١٩٩٣ في العاصمة السويدية . واحدة من الأدعاءات التي قدمها محاميه الى هيئة المحكمة الوضع النفسي لمستر هانس وهو جالس في مكتبه ينتابه الضجر ويحتصر نفسياً من شكل مكتبه ولون جدران غرفته . في نفس هذه الفترة من عام ١٩٧٩ ألقت المخابرات الاسرائيلية في ( تل أبيب ) قبل مغادرته , على شخص سويدي يدعى ( Steg bergling ) يعمل في المخابرات السويدية لكنه أيضاً متعاون ويعمل لصالح المخابرات السوفيتية ( KGB ) وفي التحقيق كشف لهم خطة الدفاع السويدية تجاه تحركات السوفيت , مما أجبر السويديين بتغير هيكلية وخطة الدفاع والتي كلفتهم الملايين من الدولارات في تغير هيكلتها وخططها .  وفي مشهد درامي تقع صدفة عينين الموظفة السويدية في السفارة العراقية على ثمة أوراق مرسلة من دائرة الشرطة الى السفارة العراقية تتضمن عدة أسماء من القادمين الجدد من العراق أو دول الجوار الى السويد طلباً للجوء وبحثاً عن الأمان .فقدمت تبليغ رسمي الى الجهات المعنية وأعتقل وتعرض للتحقيق عدة أشخاص . وبعد شهرين من تلك الجريمة عين الصحاف سفيراً للعراق في ( إستوكهولم ) . وقد لعب دوراً في محو أثار الجريمة بقتل الضابط ماجد حسين, وكافأ مادياً السويديين الذين تعاونوا مع المخابرات العراقية في نشاطاتها المحمومة على أرض السويد .والعراق كان يمتلك سلاح المال حيث مكنه تجنيد ناس وشراء ذمم لمصلحة أجهزته في ربوع العالم , حتى تمكن لسطوة أمبراطوريته المالية أن يشتري مواقف دول وصحف . مازال ملف أغتيال ماجد حسين مفتوحاً في أروقة المخابرات السويدية ( سيبو Säpo ) رغم مضي فترة طويله عليه ويعتبر من الملفات الشائكة . والسويد لاترغب بغلقه قبل ما تكشف الجناة الحقيقيين والمتعاونين معهم والمتسترين . وحاولت في السنوات الاخيرة من العمل المتواصل حوله في كشف حيثيات وتفاصيل الجريمة في الاسماء والوقائع والشهود , لكنها تصطدم بعدة معوقات هو عدم الوصول الى الفاعلين وسكناهم , أنهم يختبئون بواجهات سياسية وبأسماء مستعارة وعناوين سرية .

تقييم المستخدمون: كن أول المصوتون !
اظهر المزيد

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com