مقالات

مهمة من بغداد.. للصحفي Mats Ekman

ماتس إيكمان … صحفي سويدي وباحث مختص بقضايا الشرق الأوسط وتحديداً العراق وقضاياه . شاع صيته مؤخراً في وسائل الأعلام والتواصل الاجتماعي وتناقل المعلومة عقب صدور كتابه الذي يحمل عنوان (مهمة من بغداد )  ( På uppderag från baghdad ) .

الكتاب يتناول حقبة مهمة ومرحلة حرجة من تاريخ السويد وحساسية العلاقة بين جمهورية العراق والملف الأمني حول قضايا الاجئيين العراقيين والمخابرات على حد سواء منذ مطلع السبعينيات . في صباح يوم ٤ أذار العام ١٩٨٥, أستيقظت السويد والسويديين على جريمة قتل مروعة , هزت الرأي العام , حيث تشهدها أرض السويد لأول مرة , هزت وسائل الاعلام وحيرة المعلقيين ودوخت المحللين عبر شاشات التلفزة وأروقة المحاكم والتي ما زالت تبحث عن أدلة وشهود لأنهاء هذا الملف الخطير . في صبيحة ذلك اليوم عثرت الشرطة السويدية عبر مخبر عارض بوجود حقيبتين سوداوتين متروكتين في منطقة ( سودرتاليا ) في جنوب العاصمة السويدية ( أستوكهولم ) . لتجد الشرطة في داخلهما أكياس بلاستيكية لاشلاء أنسان مقطعة بعناية وخبرة الى ٤٨ قطعة حسب وصف المذيع السويدي المذهل لوقع الجريمة  . أنها جثة رجل ضابط الاستخبارات العراقي ماجد حسين عبد الكريم , الذي فر من العراق عام ١٩٨٣ متجهاً الى مملكة السويد طالباً اللجوء السياسي حسب أتفاقية ( جنيف ) المعمول بها وضمن أتفاقيات الدول الموقعه على لائحتها القانونية والانسانية , أراد أن يكون بعيداً عن أيادي وعيون وخطورة الجهاز الذي ينتمي له , هكذا كان معتقداً من خلال تصريحه الأول للصحف السويدية ( سفينسكا داغبلادت ) ,مهدداً بهز وفضح أربعة خلايا مخابراتية تعمل على أرض السويد ونشاطهم التخريبي وشبكة العلاقات داخل أوربا , وتفاصيل لقاء مناحيم بيغن رئيس وزراء الكيان الصهيوني السابق مع برزان التكريتي عندما كان مديراً للمخابرات وقصة ضرب المفاعل النووي العراقي ( تموز ) في منطقة الزعفرانية أطراف العاصمة بغداد العام ١٩٨١من قبل سرب من الطيران الاسرائيلي يضم ١٨ طائرة حربية بناءاً على معلومات حول المكان وهيكلة بنائه وزواياه قدمها لهم عملائهم من الفرنسيين , الذين كانوا يعملون في موقع المفاعل الذري , والطيران الذي خرق أجواء دول مجاورة وعطل كل الرادارات عبر الحدود الاردنية الى العاصمة بغداد منطقة ( سلمان باك ) ليحقق مهمته في تدميره , كان المقتول ماجد حسين حاضراً وشاهداً على هذا اللقاء وهدد بكشف تفاصيله الى وكالات الانباء العالمية ودوائر أستخباراتية . وفي خطوة أستباقية قام النظام العراقي في بغداد بحجز زوجته وأطفاله الثلاثة وسيلة للضغط عليه من أجل عودته الى العراق أو تحييد موقفه في ألتزام الصمت , لكنه لم يعير أعتباراً لذلك التهديد أو حتى لم يأخذه على محمل الجد . أثارت عملية قتله وطريقتها الهلع والخوف بين صفوف العراقيين على أراضي مملكة السويد والدول المجاورة , الذين هربوا من العراق بسبب قمع النظام وسياسته وحروبه . ودب الهلع والخوف بين أوساط العراقيين وتذمرهم من برودة الموقف السويدي الرسمي في أتخاذ الاجراءات الرادعة والسريعة في حمايتهم من نشاط رجال المخابرات العراقية , مما زاد من توجساتهم الأمنية , وأضطر قسم غير قليل منهم ترك الاراضي السويدية الى دول مجاورة , وقسم أخر أنتقلوا وغيروا عنوانيهم وألقابهم الى مدن سويدية أخرى بعيداً عن متناول أياديهم وهواجس الرعب والخوف تطاردهم في أبسط تفاصيل حياتهم  .

أستند إيكمان في كتابه الذي يحوي ٣٤٠ صفحة على وثائق المخابرات السويدية ( سيبو / Säpo ) وعلى ملفات وزارة الخارجية السويدية بهذا الشأن تحديداً ( الشأن العراقي ) .  ستة وسبعون صفحة من الكتاب مكرسة للتغطية على أغتيال ضابط الاستخبارات ماجد حسين عبد الكريم وتفاصيل تنفيذها وتداعياتها والتي ما زالت طاغية على المشهد الأمني السويدي . وذكر الكاتب ماتس معاناته بعدم تجاوب المعنيين بهذا الملف من الجانب العراقي حيث خاطب عشرين جهة رسمية ومدنية ولم يتلقى جواباً واحداً مما أحزنه كثيراً , لهذه اللامبالاة , بعيداً عن المسؤولية الاخلاقية والتاريخية والقانونية .

السويد كمركز قرار وعلاقات دولية كانت تغض النظر عن نشاطات المخابرات العراقية على أراضيها رغم معرفتها الكاملة والمؤكدة بالتضيق والتجسس على حياة العراقيين ومسببة لهم هلع وخوف في منظومة علاقاتهم وحياتهم الطبيعية أرتباطاً بالمصالح السويدية ( الاقتصادية ) . تنظر السويد لمصالحها الاقتصادية بعين الاعتبار وتضعها في الاولوية , حيث لها عدة شركات تعمل بالعراق وخبراء ومستشارين فلا تريد تفرط بتلك الميزات والهبات على حساب ضمان حياة جمهرة من الناس الهاربين من جحيم نفس تلك الاجهزة . الدول والانظمة بكل أنماطها وشكل حكمها لا يهمها الا مصالحها وأجندتها الخاصة . في نهاية السبعينيات أصبحت السويد من المحطات المهمة للمخابرات العراقية وثقل دبلوماسي وعلاقات أقتصادية وتجارية , كان معمل الأسمنت في مدينة( مالمو ) الجنوبية أعتماده الاساسي على التصدير الى العراق , وعندما تأزمت العلاقات في السنوات الاخيرة بين البلدين وضعف التبادل التجاري والاقتصادي بينهما , ومن أولويات أسبابها الحرب والحصار  أغلق هذا المعمل وتحولت أرضه الى عمارات سكنية للساكنيين , وشهدت العلاقات والزيارات المتبادلة على مستويات عالية جداً , حيث زوجة النائب صدام حسين زارت السويد مرتين , وكان يفترض واحدة من المرات أن تلتقي بزوجة الملك( كارل السادس عشر  كوستاف ) , لكن يبدو سفرة مفاجئة لزوجة النائب ( ساجدة خيرالله طلفاح ) الى لندن لموعد مهم مع طبيب حال دون ذلك , وفي العام ١٩٧٩  تقاطر الى مملكة السويد عدد من القادة البعثيين والوزراء محمد عايش وزوجته ومحيي الشمري مشهدي وعائلته وتجولوا في المدن السويدية في أهتمام رسمي وزاروا العاصمة الفلندية ( هلسنكي ) . وفي عودتهم الى بغداد ذبحوا على مسلخ قاعة الخلد الشنيعة بسيناريو معد مسبقاً بأخراج فاشل ومفضوح أنها مسرحية ( المؤامرة ) راح ضحية عرضها ٢٣ وزيراً وقائداً حزبياً أنها مساعي في السيطرة على الحكم وتصفية حسابات .  فاغتيال رجل الاستخبارات ماجد حسين عبد الكريم نتاج تلك الارباك في العلاقات العراقية / السويدية وعلى ضوء مساحتها الخضراء تتحرك أجهزة المخابرات بحصانات دبلوماسية , وحسب وثائق وملفات جهاز المخابرات السويدية ( سيبو / Säpo ) لحين سقوط نظام صدام حسين على يد المحتلين الامريكان  عام ٢٠٠٣ يوجد حوالي مئة منتسب للاجهزة المخابراتية العراقية يعملون على الاراضي السويدية . والبعض منهم عاد وتعاون مع الوضع الجديد في العراق تحت عباءة الغطاء الطائفي وأجندة المحتل الامريكي .

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com